باستخدامك موقع شايف نت تكون موافق على سياسة الخصوصية الخاصة بالموقع
اضطراب تعدد الشخصيات.. عندما يتوه المريض بين هويات من الخيال
24/07/2021

هل سمعت من قبل عن اضطراب الهوية التفارقي؟ ربما يبدو هذا المرض العقلي أكثر شهرة باسمه السابق، وهو اضطراب تعدد الشخصيات، والذي يعاني فيه المريض من سيطرة أكثر من هوية مختلفة على ذهنه، ليصبح متعدد الشخصيات كما يوضح اسم هذا المرض العجيب.

تعدد الشخصيات في علم النفس

يعرف خبراء علم النفس مرض تعدد الشخصيات في الوقت الراهن باسم اضطراب الهوية التفارقي، والذي يشهد حالة خاصة من الانفصال يعيشها المريض؛ ليغيب الترابط المطلوب بين أفكاره وسلوكياته ومشاعره وذاكرته وكذلك هويته الحقيقية. يرى الباحثون أن اضطراب الهوية التفارقي المعروف باسم تعدد الشخصيات في علم النفس، يعتبر أشبه بآلية تأقلم مع الأحداث المؤلمة التي يمر بها المريض، حيث يفصل نفسه عن موقف أو تجربة عنيفة أو صادمة، ليتقمص شخصية أخرى شديدة الاختلاف، فيما يمكن للمريض أن يعاني من الوقوع تحت سيطرة شخصيتين أو أكثر بحسب حالته.

أسباب اضطراب تعدد الشخصيات

تعتبر عوامل الإصابة بالتوتر الشديد، وسواء كانت شخصية أو بيئية محيطة، هي السبب الأبرز وراء معاناة البعض من مرض تعدد الشخصيات، حيث يؤدي المرور بالتجارب القاسية في مرحلة الطفولة تحديدًا إلى احتمالية الإصابة بهذا المرض العقلي. يعد التعرض للإهمال من جانب الأبوين أو للإيذاء النفسي أيضًا من العوامل وراء المعاناة من اضطراب الهوية التفارقي، حيث يبقى ذلك كافيًا أحيانًا للإصابة بهذا الاضطراب، وحتى من دون التعرض لإيذاء جسدي أو حميمي. من الوارد أن يتمثل سبب الإصابة بمرض تعدد الشخصيات، في مواجهة مواقف وصدمات متكررة تهدد الحياة في مرحلة الطفولة، وخاصة إن كان الطفل لم يتجاوز السادسة من عمره، ولا يزال في مرحلة شديدة الحساسية.

أعراض اضطراب تعدد الشخصيات

تبدو أعراض مرض تعدد الشخصيات شديدة التنوع، فما بين سيطرة أكثر من شخصية على ذهن المريض والمعاناة من مشاعر سلبية قد تتطور للأسوأ بمرور الوقت، نوضح علامات الإصابة بهذا المرض العقلي.

1. الشخصيات المتعددة: هي العلامة الأبرز على الإصابة بمرض تعدد الشخصيات، حيث يبدو المريض مشتتًا بين شخصيتين على الأقل، ووصولًا إلى نحو 100 هوية مختلفة يتقمصها المريض في أوقات متفرقة، فيما يمكن لتلك الشخصيات أن تبدو مختلفة العقيدة والجنس أو النوع وكذلك الرغبات والسلوكيات عند التعامل مع البيئة المحيطة، أو ربما تكون الشخصيات من كائنات أخرى مثل الحيوانات.

2. القلق والاكتئاب: بينما يعتبر هذا المرض عقليًا في المقام الأول، فإنه يؤثر بالسلب على الحالة النفسية للمريض، حيث يحفز الاضطراب بواسطة مشاعر القلق التي تسيطر على المصاب به بمرور الوقت، فيما يتطور الأمر للأسوأ أحيانًا ليصل إلى حد المعاناة من مرض الاكتئاب.

3. الانفصال التام: يعاني مريض اضطراب الهوية التفارقي من حالة انفصال عن الواقع، تظهر أحيانًا في صورة الإحساس بالانفصال عن الجسد والخروج منه، أو عبر الشعور بأن العالم المحيط ليس حقيقيًا كما يبدو، علمًا بأن عدم قدرة المريض على تحديد شخصيته أو رغباته وأفكاره هي من الأعراض الشهيرة في ظل تشتته بين شخصيات متعددة.

4. ضعف الذاكرة: تؤدي الأعراض السابقة إلى ضعف الذاكرة وفشل المريض في تذكر أمور بديهية تخصه، كما تسبب له بعض الآلام كصداع الرأس على سبيل المثال، بالإضافة إلى أن الوقوع تحت سيطرة شخصية ما تصبح من الأمور التي ينسى المريض تفاصيلها فيما بعد؛ ليبدو الأمر الثابت هو وجود شخصية رئيسية هي التي يحمل المريض اسمها دومًا، فيما لا يمكنها إدراك حقيقة وجود شخصيات أخرى بداخل نفس العقل.

5. إيذاء النفس: من الوارد أن يقع المريض باضطراب تعدد الشخصيات ضحية لأفكار مدمرة، تضر به في المقام الأول، حيث تظهر بداية في صورة أفكار سلبية تمنع المريض من القيام بالسلوكيات المفيدة له، قبل أن يسوء الوضع لحد إيذاء النفس بصورة عنيفة، أو عبر ارتكاب سلوكيات غير منطقية للشخص نفسه، مثل قيادة السيارة بتهور شديد أو حتى سرقة أحد الأصدقاء المقربين، لتصل إلى إدمان المخدرات أو الكحوليات علاوة على المعاناة من الأفكار الانتحارية.

أمراض مصاحبة لاضطراب تعدد الشخصيات

إن كان مرض الشخصيات المتعددة من عوامل تشتت الذهن وإصابة العقل بالأزمات، فإن بعض الأمراض والاضطرابات النفسية الأخرى تبقى مصاحبة له في كثير من الأحيان، حيث تتمثل في:

التقلبات المزاجية الحادة والتي تصل بالمريض إلى حد الاكتئاب.
صعوبات النوم والتي تتنوع بين المعاناة من الأرق الشديد أو حتى المشي أثناء النوم.
القلق الشديد والرهاب إضافة إلى نوبات الهلع.
الإدمان بأنواعه المختلفة، مثل إدمان المخدرات والكحوليات.
ممارسة الأنشطة بصورة قهرية، مثل التنظيف وغسل اليدين كل بضع دقائق والتأكد من إغلاق الأبواب باستمرار.
اضطراب الأكل المعروف باتباع عادات غذائية شديدة السوء، تؤثر على الصحة بالسلب.
التوهم والهلوسة والهذيان.

الفرق بين الانفصام وتعدد الشخصيات

ربما تسببت مجموعة كبيرة من الأفلام السينمائية والمسلسلات الدرامية في الخلط الشائع الذي حدث للبشر، بين مرض الفصام واضطراب تعدد الشخصيات، إذ يعتقد الكثيرون أن الانفصام في الشخصية يعني تعدد شخصيات المريض، وهو اعتقاد خاطئ دون شك.

يعتبر مرض الفصام من الاضطرابات العقلية الشديدة، والتي وإن تعددت أعراضها بين سيطرة الأوهام والهلاوس على العقل، والتعامل مع الآخرين بصورة عجيبة، والتحدث والمشي بطريقة غير معتادة، فإنها لا تشهد وقوع المريض تحت سيطرة أكثر من شخصية واحدة، مثلما الحال في مرض تعدد الشخصيات. يعد اضطراب تعدد الشخصيات مختلفًا كذلك في تأثيره السلبي على المريض، والذي يصل إلى حد فقدان الذاكرة، بخلاف مرض الفصام، الذي يدفع المريض به إلى الانعزال عن المجتمع، وعدم التمتع بالحوافز اللازمة للقيام بأي نشاطات مفيدة.

علاج اضطراب تعدد الشخصيات

إن كان الخبراء والباحثون لم ينجحوا في التوصل لعلاج قاطع لمرض تعدد الشخصيات، فإن استمرارية المريض في متابعة حالته مع الطبيب تضمن على المدى البعيد السيطرة على الحالة، عبر الخطوات الآتية:

1. العلاج بالتحليل النفسي: يعمل الطبيب النفسي عبر تلك الجلسات المعروفة أيضًا باسم جلسات التحدث أو الحكي، على التوصل إلى عوامل تحفيز مرض تعدد الشخصيات لدى المريض، فيما يأمل في دمج سمات الشخصيات المختلفة المسيطرة عليه، داخل شخصية واحدة تنجح في مقاومة وسائل تحفيز المرض، علمًا بأن تلك الجلسات عادة ما تشهد حضور أفراد أسرة المريض.

2. العلاج بالتنويم الإيحائي: يلجأ الطبيب إلى جلسات العلاج بالتنويم الإيحائي جنبًا إلى جنب مع العلاج التقليدي بالتحليل النفسي، حيث يبقى الهدف هنا هو اقتحام عقل المريض من أجل معرفة الذكريات المكبوتة بداخله، إضافة إلى السيطرة على السلوكيات المصاحبة لاضطراب تعدد الشخصيات، وكذلك دمج شخصياته المختلفة لشخصية واحدة قادرة على المقاومة.

3. العلاج المساعد: يعرف هذا العلاج باعتباره وسيلة دعم جانبية يمكن اللجوء إليها بعد بدء العلاج النفسي الأساسي، فيما تتمثل في جلسات فنية أو أنشطة حركية، لها دور في مساعدة المريض على التواصل مع أجزاء المخ التي انهارت لديه، كآلية تأقلم مع الصدمة التي تعرض لها من قبل.

4. العلاجات الدوائية: بينما لا توجد أدوية علاجية يمكن وصفها لمريض اضطراب الهوية التفارقي تحديدًا، فإن بعض الأدوية النفسية تبقى مطلوبة للسيطرة على أعراض الاضطرابات الأخرى التي يعاني منها المريض في العادة، مثل أدوية الاكتئاب والقلق، التي تبقى مفيدة بدرجة ما لمريض تعدد الشخصيات.

في كل الأحوال، تبقى زيارة المريض بـ اضطراب تعدد الشخصيات للطبيب مطلوبة بشدة، أملًا في أن يؤدي العلاج الطويل لتحسين الحالة بمرور الوقت، وكذلك لحمايته من أفكار مدمرة ربما يصبح هو ضحيتها الأولى إن لم يسع للعلاج.