باستخدامك موقع شايف نت تكون موافق على سياسة الخصوصية الخاصة بالموقع
الهامبورغر، الهوت دوج، كنتاكي... أطعمة لا غنى عنها؟
08/02/2009

في أميركا شهدت المحاكم أعنف وأشرس وأقسى قضية بين شركات "الطعام السريع" Fast Food وبين المؤلف مورجان صاحب كتاب "لحوم بشرية". الكتاب صدر قبل سنوات وكان ظهوره في الأسواق ثورة أشعلت النار في مكاتب وأروقة شركات الطعام السريع العملاقة، والكتاب رحلة يقطعها المؤلف في مطابخ شركات الطعام السريع وحجم الإصابات البشرية في هذه المطابخ الآلية إذ اختلط اللحم الآدمي بالطعام السريع. وقد بلغ عدد القضايا المرفوعة على المؤلف من جانب الشركات أكثر من 20 قضية ربحها جميعها لدقة المعلومات ودرجة التوثيق المذهلة التي سجلها في كتابه المرجع.

 مبيعات شركات الطعام السريع
لم تتأثر

ولكن الغريب في الامر أن مبيعات شركات الطعام السريع لم تتأثر على رغم حصول المؤلف على وثائق وشهادات من هيئات علمية وبحثية تقطع بفساد الطعام السريع وأثره السلبي على الجهاز الهضمي للإنسان، وامتد ليشمل التأثير في الأسرة الواحدة وهذا ما سوف نحاول تقصيه في هذا التحقيق.

الهامبورغر، السوسيس أو الهوت دوج، كنتاكي فراي تشيكن، أطعمة أصبح لها من الصيت والشهرة ما جعلها أكلات عالمية يقبل عليها الشباب والأطفال والكبار من كل الأعمار على رغم كل التحذيرات العلمية والبحثية في هذا المجال. ففي القاهرة بلغ عدد المحال الخاصة بالأطعمة السريعة الآلاف في كل المناطق والأحياء السكنية، في بحث فريد عن المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية يكشف كيف استبدلت أسر بأكملها طعام المنزل بالأطعمة السريعة، وبالتالي انفرطت الأسرة وأصبح لكل فرد علبته المستقلة!

إنها دنيا العولمة كما يصفها الشاعر العربي الكبير محمد الفيتوري: "عصر الكتابة والحرية الزائفة، عصر انحطاط القيم والأخلاق والفساد بجميع أشكاله وألوانه وصوره في العالم، ففي هذا العصر يحاول الأفراد التغلب على الوحشة الداخلية والتجزؤ الفردي وانتقاد الهوية، والحب والبحث عن اللذائذ، فأبناء المدن يضيفون إلى ذلك العودة إلى الأطعمة الريفية أو البحث عن أصدقاء أوفياء يجدونهم لدى الحيوانات الأليفة والكلاب أو تزيين بيوتهم بالنباتات، أما الضيق المبرح فكثيراً ما يقاومونه عن طريق اللجوء إلى الأدوية المهدئة أو إلى المنجمات أو إلى الرياضة وكثيراً ما يدفعهم ضيقهم إلى أن يلقوا بأنفسهم في أحضان الكحول والمخدرات".

في هذه اللوحة الكئيبة التي رسمها "الفيتوري" نلمس تصدعاً كاملاً وانهياراً في الأسرة الواحدة، ففي البحث المشار إليه يكشف عن وحدة الفرد ووحشته داخل أسرته بتفكك مواعيد الطعام. يقول الكاتب الراحل محمود عباس العقاد في كتابه "ساعات بين الكتب" إنه تعلم النظام من أمه وأن القاعدة الأولى في النظام الأسري هي احترام مواعيد الطعام وقد حافظ العقاد على مواعيد الطعام طوال حياته، وكان من نتيجة هذا النظام أنه أبدع وأنتج هذا الإنتاج الغزير من الكتب في شتى مجالات الفكر.

فهناك أكثر من 40 % من أطفال الطبقة الوسطى يتناولون الطعام لوحدهم وعادة ما يكون طعام الغذاء ساندويتشاً ويختلف الساندويتش من فئة اجتماعية إلى أخرى، فهناك الأسر المحافظة التي تعد الساندويتش في المنزل وهناك من يشتريه جاهزاً من الطعام السريع وفي كل الحالات يتناولون الطعام بمفردهم بعيداً عن العائلة.

الحياة الأسرية

 كان الطعام جامعاً مشتركاً بين
جميع أفراد الأسرة والعائلة

في الماضي كان الطعام جامعاً مشتركاً بين جميع أفراد الأسرة والعائلة، وحتى الجيران، وكان الاحتفال بالطعام مظهراً من مظاهر الوئام الاجتماعي وفي المناسبات الدينية تتبادل الأسر الأكلات الموسمية، وكانت مائدة الطعام ملتقى الأبناء وأفراد العائلة، وبتعقد الحياة والازدحام وصعوبة الانتقال وانشغال الناس في البحث عن لقمة العيش وظهور الكمبيوتر كل ذلك أدى إلى تفكك الحياة الأسرية ولم تعد مواعيد الطعام مركزاً للقاء الأسري أو العائلي، وبذلك تغيرت العادات والتقاليد الحميدة التي كانت تحافظ على بقاء وتماسك الأسرة والمجتمع، الأمر الذي أدى إلى إهمال تنشئة الأطفال وضعف أواصر المحبة والتعاضد الأسري.

خلع الكمبيوتر

في المحاكم المصرية بلغت نسبة قضايا الخلع بسبب الكمبيوتر حوالي 30 % فمنذ ظهور الكمبيوتر في حياة الأسرة وهناك حالة انصراف كاملة يعيشها الزوج أو الزوجة مع الكمبيوتر ولا يلتقيان على طعام. كذلك الأبناء الذين يتناولون الطعام ويحتسون المشروبات الغازية أمام الكمبيوتر، وبذلك تحولت منازل الطبقة الوسطى إلى محال "سايبر" كما وصفها أحد الكتاب الساخرين. حتى في الحب هناك أكثر من 13 % من الشباب يلتقون بصديقاتهم على شاشة الكمبيوتر كل يوم، وهكذا أصبح اللقاء عبر الكمبيوتر بديلاً عن لقاء الحياة وجهاً لوجه.

في بحث آخر أكثر طرافة وجدية يرصد الباحث ظاهرة جلوس الشباب بالساعات وحدهم مع الكمبيوتر والنت والعالم الغريب، وأثناء ذلك يتناولون الأطعمة والمشروبات ولم يعودوا في حاجة إلى أحد حتى القطارات لم تخلُ من الجالسين وعلى أرجلهم أجهزة الكمبيوتر أو من الممسكين بهاتفهم النقال.

الهامبرغر أم لحمة الراس

لقد نجحت وسائل الإعلام في جعل ساندويتشات ماكدونالد وبيتزاهت بديلاً للأكلات المحلية كالفول والطعمية والبصارة والكشري ولحمة الراس والفتة والممبار فمن علامات العصر أن تتبع الطريقة الأميركية في الطعام والملبس والسيارة، وهذا جوهر العولمة الثقافية أن يكون هناك إحلال لقيم وعادات جميلة وحميمة ومتوارثة وأكلات محلية صحية وسليمة أتقن المصريون صنعها على مر الأجيال والعصور وجميعها الآن باتت مهددة ولم نعد نرى عربات الفول والكشري بالكثرة التي كانت عليها قبل ظهور مطاعم الأكلات السريعة.الاوان