باستخدامك موقع شايف نت تكون موافق على سياسة الخصوصية الخاصة بالموقع
ستروماتوليت.. كيف حوت أحافير صخرية أقدم أشكال الحياة على الأرض؟
25/02/2021

 بينما أنت في طريقك إلى مدينة بيرث الأسترالية، باتجاه بحيرة ثيتيس، ستدهشك مظاهر الطبيعة الخلابة بين صحراء قاحلة وتضاريس طبيعية متحولة، إلى المحيط الواقع على الجانب الآخر والذي سينقلك إلى مشهد آخر تملؤه الأشجار والزهور والبساتين، ولكن ما سيبهرك حقا هو وجود أحافير صخرية ضخمة تمثل أقدم أشكال الحياة على وجه البسيطة، والتي تعرف باسم "ستروماتوليت".

ستروماتوليت
اشتق هذا الاسم من كلمتي ستورما بمعنى الفراش المحشو بالقطن أو الريش، وليتوس التي تعني الصخرة، وهما كلمتان يونانيتان تعنيان بشكل عام "الصخور ذات الطبقات"، وهي أحافير حية تمثل أقدم أشكال الحياة المتواجدة على سطح كوكبنا، وتقع في بحيرة ثيتيس التي تبعد بضعة كيلومترات عن بلدة سرفانتس شمال محمية نامبونغ الوطنية، أستراليا.

تكونت هذه الهياكل الحجرية قديما عن طريق مستعمرات من الكائنات الحية الدقيقة المعروفة بالبكتيريا الزرقاء، فعند تراكم الرواسب في المياه الضحلة تنمو هذه البكتيريا وتقوم بعمليه التمثيل الضوئي مما يساعد في عملية الربط بين الجسيمات الرسوبية وطبقات البناء، حتى تصبح هذه الطبقات أخيرا عبارة عن تلال والتي شكلت تأثيرا كبيرا وفعالا في تاريخ الأرض، حيث استفادت من أشعة الشمس لتوليد الطاقة وإنتاج الأكسجين بنسبة 20% تقريبا من الكمية الأصلية التي يحتوي عليها الغلاف الجوي لسطح كوكبنا.

ولا توجد هذه الصخور الرسوبية الآن بصورتها الأصلية سوى في عدد ضئيل جدا من بعض الخلجان والبحيرات المالحة على وجه الأرض، وهو ما يميز بحيرة ثيتيس في أستراليا حيث يوجد بها الكثير من الستروماتوليت والتي قد تكون لا تزال حية أو متواجدة بصورتها الأصلية، كأحافير وصخور رسوبية عتيقة.

بحيرة ثيتيس
شكلت البحيرة لغزا كبيرا للعلماء إذ تم اكتشاف آلاف الستروماتوليت القابعة تحت مياهها الضحلة، والتي تشبه الإسفنج في شكلها ولونها، وهو ما يثير الدهشة حيث إن البحيرة صغيرة جدا لا يزيد عمقها عن المترين، كما تبلغ نسبة الملوحة فيها ضعف النسبة المتواجدة في مياه البحر، والتي تشكلت نتيجة انحسار الشواطئ ومحاصرة الكثبان الساحلية للمياه الداخلية قبل 4800 عام، عند انخفاض مستوى سطح البحر خلال الفترة الرئيسية للعصر الجليدي.

توجد أيضا في هذه المنطقة من الساحل الأسترالي كائنات حية أخرى تعرف باسم "ثرومبوليت"، وهي شعب بكتيرية يرجح أنها تكونت قبل مليار عام تقريبا، وهو ما جعلها مهددة بالانقراض حيث إنها تنتمي إلى فصيلة الستروماتوليت ولكنها تختلف في عمرها، كما تختلف أيضا في مظهرها الذي يشبه الدماء المتخثرة، كذلك تستطيع العيش في مياه أقل ملوحة من مياه البحر.

تهديد بالانقراض
وقد بدأت الستروماتوليت في الانحدار والهبوط بمجرد ظهور هذه الكائنات البحرية الأكثر تقدما وتعقيدا "وفقا لدراسة أجرتها الدكتورة الراحلة ليندا مور بجامعة أستراليا الغربية"، فقد بدأ نظامها البيئي بالتعرض إلى بعض التهديدات، عن طريق الأميبا المفترسة والعديد من الكائنات أحادية الخلية، والتي كانت تلتهم الأحافير قديما والصخور الرسوبية المتكونة من عدة طبقات، ولكن الطبيعة كان لها رأي آخر إذ أصرت على بقاء الستروماتوليت على قيد الحياة، حيث ساعدتها هذه المياه شديدة الملوحة على طرد الكائنات الحية الأخرى المنافسة لها والتي لا تستطيع التكيف مع هذه الأجواء.

معجزة إلهية
بعد قيام العلماء والباحثين بالعديد من الدراسات منذ قرون طويلة استطاعوا تقدير عمر الأحافير بحوالي 3.5 مليار سنة، وهو ما يمثل ثلاثة أرباع عمر كوكبنا تقريبا والذي يقدر بحوالي 4.5 مليار سنة. ما يعني أن وجود الستروماتوليت بصورته الأصلية يعد شيئا مذهلا، بل خارقا للطبيعة، وهو الأمر الذي أتاح فرص ذهبية للعلماء لدراسة صورة متكاملة من ضمن آلاف الصور التي أهدتها الطبيعة لنا، قبل تشكيل القارات وظهور الحياة البشرية على سطح الأرض، ولكن المعجزة الحقيقية تكمن في صمود هذه الصخور وبقائها رغم جميع التحولات العاتية والتغيرات التي طرأت على كوكبنا، وهو ما لم يستطع العلماء تفسيره حتى وقتنا هذا.