اوضحت نتائج استطلاع "فرفش" حول موضوع زيارة الاخصائي النفسي، ان 48.1 من المشتركين يرون في الزيارة امر طبيعي، 37.8 منهم يرون انها تنفذ وقت الحاجة فقط، 8.5 منهم لا يعلمون و 5.5 يرون ان هذه الزيارة هي امر مرفوض.

ان اختيار موضوع زيارة الاخصائي النفسي لم تأت من فراغ، فالوسط العربي يشهد تحولا ايجابيا في مدى تقبل الناس للاستشارة النفسية، وقد اصبح الاخصائي النفسي جزء من عدد كبير من المدارس والسلطات المحلية في مجتمعنا.

ما هي وظيفة الاخصائي، ما هي اهمية استشارته، ازدياد عدد الاخصائيين النفسيين العرب هل هو مؤشر على ازدياد المشاكل والازمات النفسية في مجتمعنا ام تقبل اكثر لهم، ولماذا لا يزال اغلب المتوجهين لتلقي استشارة نفسية يخجلون من الحديث عن الامر بصراحة؟ اجابات على هذا الاسئلة واكثر يقدمها لنا المختصون في هذا التقرير..

الاخصائية النفسية دنيا برودي (الناصرة) تحدثنا عن اهمية استشارة الاخصائي النفسي:

الاخصائية النفسية دنيا برودي (الناصرة)

لو دققنا النظر في الواقع المحيط بنا هذه الايام ، لعرفنا مدى تأثيره على افكارنا واحاسيسنا، خاصة المتعلقة منها بالاستقرار النفسي والامن، ومع ذلك فان النظرة التي تقول ان الاخرون هم المسؤولون عن مشاكلنا ومصاعبنا في الحياة هي نظرة ضيقة محدودة، لانها لا تترك امامنا مجالا للاختيار او لفعل اي شيء، فنحن لسنا المسؤولين عن حياتنا(بل الظروف والمصاعب). ان الحياة لهي طريق طويل مليء بالمصاعب اذا ما تعودنا ودربنا على مواجهتها والتغلب عليها منذ الصغر، كان وعينا واستعدادنا اكبر لمواجهتها، وتعاملنا معها انجع في مراحل متقدمة من العمر.

هناك من ينظر للمشاكل كما ينظر الاطباء في عصرنا للفيروس، على المريض ان ياخذ قسطا من الراحة حتى يخرج الفيروس من جسمه ويزول المرض عنه، ولكن علينا ان نعلم ان "الفيروس النفسي " يتميز بقدرته الكبيرة على التطور واصابة الاعضاء الداخلية لدى الانسان اذا لم نسرع في التخلص منه عند الاصابه به، والا سيختبئ داخلنا ويختزن لفترة غير معروف طولها، وستلاحظ هذه الاصابة على شكل اضطراب في نفسيتنا، عدم ثبات في مواقفنا، عصبية وغضب كبيرين، وعدم رضى عن النفس، الاهل او المجتمع وربما الى ابعد من ذلك بكثير.

متى يجب التوجه لتلقي استشارة نفسية؟

انه لمن الصعب التحديد بالضبط متى يتطلب الامر استشارة من اختصاصي في علم النفس، لكننا نستطيع القول انه اذا ما وصلت هذه المشاكل والمعاناة الى الحد الذي يعيق الانسان عن القيام بدوره في العائلة والمجتمع او العمل، وحين يشعر الانسان بضيق او معاناة مستمرة بغض النظر عن اسبابها، تجعله ينغلق على نفسه مبتعدا عن من حوله او اي شعور سيء اخر يراوده لفترة طويله وينغص عليه عيشة ونومه وعلاقاته الاجتماعية، في هذه الحالة من المهم والضروري التوجه لطلب الاستشارة والعلاج النفسي.

ما الذي يدفعنا لزيارة الاخصائي النفسي، وبماذا تفيدنا هذه الزيارة؟

1) لنفهم من اين يأتينا التوتر النفسي والعصبية الشديدة التي تجتاح حياتنا في كل يوم.

2) لنصب غضبا شديدا ما زال يتراكم داخلنا قبل ان يحدث انفجارا.

3) لنتعرف على زوايا مظلمة وخفية في انفسنا طالما خشينا لمسها او الاقتراب منها، لنفتح بئرا مغلقة ضاقت بنا وكادت تخنقنا ونودع محتواها في قلب يطمئن له قلبنا.

4) لنداوي جرحا كان قد اصابنا في الماضي واهملناه حينها، لكنه لا يزال يؤلمنا.

5) لنمسك بخوفنا ونطرده خارج بابنا قبل ان يخيفنا، لنتغلب على قلقنا قبل ان يتغلب علينا ولنعيش سلاما مع ذاتنا ومع غيرنا.

6) لنقف لحظة ونتأمل مواقفنا اتجاه قضايا التربية المختلفة ونعيد النظر في اساليب وطرق تأثيرنا على من حولنا عموما وعلى اولادنا بالذات.

7) لنضع علاقاتنا الاجتماعية تحت المجهر ونرى التفاعل الذي يحدث بيني وبين شخصيات هامة وغير هامة في حياتنا.

8) لنستعيد ثقتنا بانفسنا وبغيرنا، لنرى الامور بمنظار جديد، ونجدد حياتنا، ونخلصها من شوائب عديدة ونبدأ من جديد.

9) لنستطيع بث السكينه والهدوء والطمأنينة في انفسنا وبيوتنا، وعندها نكون قد حققنا هدفنا الاكبر من زيارتنا للاخصائي النفسي.

الاخصائي النفسي قاسم احمد (كوكب ابو الهيجا) يتحدث عن الخجل من الموضوع واهمية سريته

لماذا يخجل معظم الناس في مجتمعنا من التوجه الى الاخصائي النفسي؟

الاخصائي النفسي قاسم احمد (كوكب ابو الهيجا)

يقول قاسم:" في مجتمعنا العربي يطلقون اسم "دكتور" على الاخصائي النفسي، ونحن نعرف ان المرضى هم الذين يتوجهون للطبيب، ومن المعروف انه لا يوجد انسان يحب او يريد ان يكون مريضا. هناك تخوف لدى الناس لان النظرة لمتلقي الاستشارة النفسية هي نظرة خاطئة تعطي للناس الشك بأنه "مجنون" وللاسف فان الامر عالق بذهن الصغار كالكبار تماما، وكثير من الشباب والشابات الذين ينصحهم مختصون في المدارس مثلا ، بان يتوجهوا لتلقي استشارة نفسية، فيعارضون الفكرة بحجة انهم "ليسوا مجانين". نحن نعيش بشكل مجتمعي وهذا له تأثيره، فان معرفة الاخرين لامور تخصنا تجعلنا متخوفين، ونخاف اكثر ان عرف المحيطون بنا اننا كنا في جلسة خاصة لدى اخصائي نفسي، حتى الاهل عندما يحضرون مع ابنائهم فانهم يحرصون على اعطائنا ملاحظة "ان لا يعرف احد خارج هذا الباب اننا كنا هنا"، ويقصدون بذلك معارف، اقارب، معلمون مدير المدرسو وغيرهم. .

فرفش: لكن من حق متلقي الاستشارة ان يطلب الحفاظ على خصوصيته.

قاسم: الحفاظ على السرية والخصوصية هي احد شروط مهنتنا والخصوصية هي امر مهم جدا، لكن في مجتمعنا العربي يكون الناس على استعداد للسفر الى بلد اخر لتلقي الاستشارة حتى لو توفرت الخدمة في بلدهم لانهم يعتقدون ان الكثير من الناس سيروهم وكأن زيارة الاخصائي النفسي "تهمة".. في الكثير من المجتمعات هناك نظرة مشابهة لموضوع زيارة الاخصائي النفسي واهمية السرية في الموضوع لكنها عادة تكون مجتمعات محافظة او غير واعية لاهمية ووظيفة الاخصائي النفسي. في المجتمعات الغربية ايضا يوجد تخوف لكن بنسبة اقل، فهناك يتوجهون لتلقي الاستشارة ليساعدوا انفسهم في حال عدم استطاعتهم ان يساعدوا انفسهم بشكل منفرد في موضوع ما، وفي مجتمعنا يتوجه كثيرون لتلقي استشارة ومساعدة اخرين غير الاخصائيين النفسيين بسبب معتقدات واراء ووعي مختلف..

فرفش: هل هناك تغيير في توجه الناس للاخصائي النفسي اليوم بالمقارنه مع سنوات سابقة؟

قاسم: بالمقارنه مع السابق الوضع اليوم افضل، نتيجة زيادة الوعي، الاهل اليوم يطالبون بوجود اخصائي نفسي في المدارس لحل مشاكل الطلاب ولايجاد حلول لعلاقات شائكة بين الطلاب والاهل متعلقة بالتربية وجيل المراهقة، وكلما زاد الوعي زاد الاتجاه والتقبل . اليوم نلاحظ زيادة في عدد الاخصائيين النفسيين وهذا يدل على تقبل اكثر لهذه المهنة.

فرفش: من يتوجه اكثر للاخصائي النفسي، الرجال ام النساء؟

قاسم: نلاحظ ان النساء يتوجهن اكثر من الرجال، وانا اقصد بذلك الامهات اللواتي يبحثن عن افضل الطرق لمساعدة اولادهن وللتعرف على الطرق المناسبة للتعامل معهم ومساعدتهم على حل مشاكلهم، وعندما تحتاج الام مساعدة خارجية فانها تتوجه للاخصائي النفسي لتلقي استشارة.

الاخصائي والمعالج النفسي مصطفى قصقصي (شفاعمرو) رئيس رابطة السايكولوجيين العرب في البلاد

فرفش:ما هي رابطة السايكولوجيين، متى اقيمت وما هي اهدافها؟

الاخصائي والمعالج النفسي مصطفى قصقصي (شفاعمرو)

مصطفى:تأسست الرابطة في العام 2000 وتجمع السايكولوجيين على اختلاف الاختصاصات المهنية وهي تعنى بتطوير الهوية المهنية للسايكولوجيين العرب، ولتطوير الخدمات النفسية في الوسط العربي وتعميق الوعي للصحة النفسية، نشر وتعميق الوعي لدى الناس.

فرفش: ماذا تعني بالهوية المهنية؟

مصطفى:هذا المجال هو مجال شاب في وسطنا العربي ويتطور ضمن مجتمع مهني غير عربي، تطوير الهوية يعني العمل على تزويد السايكولوجيين بثقافة نفسية وادوات علاجية مناسبة للمجتمع وللسياق الحضاري الذي يعيشون فيه وتوفير بيت مهني يجمعهم ويساعدهم تنظيميا.

فرفش: الى اي مدى تعتبر الرابطة مهمة بالنسبة للمهنيين؟

مصطفى: تكمن اهمية الرابطة في عدة امور، اولا: توفير بيت مهني ينتمون اليه ويجمعهم، ثانيا: توفير دعم مهني وتنظيمي للسايكولوجيين، ثالثا: العمل على تنظيم ايام دراسية متمحمورة حول قضايا ذات شأن للسايكولوجيين العرب، رابعا: مستقبلا نهتم بتعزيز الاداء المهني وبالاساس العمل على ارشاد وتوجيه تطور مجال علم النفس والصحة النفسية في المجتمع.

فرفش: هل يحتاج الاخصائي النفسي الى استشارة نفسية- مهنية، وهل توفر الرابطة استشارة كهذه؟

مصطفى: الاخصائي النفسي واي اختصاصي في الصحة النفسية ملزم بتلقي اشراف مهني، وتوجد منظومة كاملة من المشرفين الذين يتابعون السايكولوجيين على اختلاف مستويات عملهم، يفترض ان الاخصائي النفسي ضمن عمله وتأهيله في المجال، مر بتجارب من الاستبصار الذاتي والتعامل مع عالمه الداخلي بحيث يكون بامكانه تأدية عمله الحساس بشكل سليم ومن دون الحاق الضرر بالمنتفعين منه(المتوجهين).

فرفش: هل توجد احصائيات لدى الرابطة حول اعداد المتوجهين واعمارهم والمشاكل الاكثر شيوعا التي يعانون منها؟

مصطفى: لا تتوفر احصائيات حول نسبة المتوجهين، اعمارهم او اجناسهم، او المشاكل الشائعة التي يعانون منها ويتوجهون على اثرها لتلقي استشارة او دعم نفسي، ولم يجر بعد مسح كامل بالمجال، والمسح اصبح ملحاً بعد ان شهد المجال تطور في السنوات الاخيرة وازدياد عدد العيادات الخاصة وزيادة عدد المتوجهين، قد يكون هذا مشروع مستقبلي بالنسبة للرابطة. ومع ذلك فمن الملاحظ ان الامهات لديهن وعي كبير ويتوجهن اكثر لطلب مساعدة في حال وجود صعوبات نفسية او سلوكية او تعليمية لدى اولادهن وبدون حرج.

فرفش: ماذا يعني ازدياد عدد الاخصائيين النفسيين من وجهة نظركم؟

مصطفى: زيادة عدد الاخصائيين يزيد من التطبيع مع التوجه للاخصائي، والناس تصبح اكثر اطلاعا بحيث يصبح التوجه انتقائيا ونابع من معرفة افضل من السابق، الجمهور اصبح اكثر اطلاعا على انواع التخصص والعلاج، واصبح الناس اكثر قدرة في التعبير عن حاجاتهم للبحث عن سايكولوجي مناسب. واود ان اذكر هنا اهمية الاعلام في زيادة الوعي وتشجيع برامج الصحة النفسية التي يشارك بها احيانا رجال دين مما يزيد من تقبل الجمهور.

فرفش: هل ازدياد التوجه للاخصائيين يعني ازدياد في المشاكل والضغوط ام صراحة اكبر في التعامل مع المشاكل؟

مصطفى: الحياة العصرية تطرح تحديات اكبر على الناس تكلف اثمان نفسية مختلفة وتحديات فردية بالاساس، من ناحية اخرى السلوك الاوضح انه هناك ميل اكثر للتعبير ولاستشارة ناس غرباء عن العائلة، حالة تقبل الفكرة اكثر واردة اكثر من ان تكون المشاكل قد ازدادت مع الاخذ بعين الاعتبار اختلاف المشاكل وتنوعها والضغوطات النفسية التي تسببها الحياة العصرية، واستعداد الناس لتقاسم المشاكل مع المختصين لا ينفي كون ضغوط الحياة اكبر من الماضي لكن الملفت والاكثر بروزا هو قضية الوعي المتزايد للصحة النفسية عامة وصحة الفرد النفسية واهمية التوجه للحصول على مساعدة نفسية يساهم في الامر، الناس يتوجهون الى اطباء عاديين فيتلقون اجابة " انت لا تعاني من مشكلة عضوية بل مشكلة نفسية" وهذا يدل على ان الاوساط الطبية تعترف وتبرز الجوانب النفسية في مشاكل الصحة العامة للفرد.

فرفش: ما هي اهم النشاطات المستقبلية للرابطة ؟

مصطفى: نحن بصدد تنظيم المؤتمر الثاني لعلم النفس والصحة النفسية للفرد في الوسط العربي، وهو حدث علمي ثقافي من الدرجة الاولى ويعكس حالة نشطة من العمل النفسي والابحاث في وسطنا، ويجدر بي ان اذكر ان المجال في الوسط العربي يضاهي ويتفوق على مجالات مماثلة في الدول العربية ونحن لدينا الكثير لنقوله للزملاء العرب من خلال تجاربنا.