تظل الرشاقة الدائمة والرغبة في الحفاظ على قوام متناسق وصحي حلما مشروعا لكل فتاة، ولكن ما لا تعرفه الكثيرات وما لا تتنبه إليه العديد من الأسر والعائلات أن هناك خيطا رفيعا للغاية يفصل بين الريجيم والوسواس القهري الذي يفضي بـ 12% من الحالات إلى الموت وهن لا يشعرن ولو للحظة واحدة بالجرم الذي يقترفنه في حق أنفسهن. لم يعد هناك خيار أمام كل فتاة وكل أم أن تتعرف على كل ما يتعلق بالأنوركسيا التي ظلت عقودا مجهولة ولا يزال سببها فيه الغموض. كل أصابع الاتهام أصبحت الآن تشير إلى الثقافة الغربية التي جعلت الأنثى أسيرة مفاهيم خاطئة تقيد عناصر النجاح والقبول في فكرة المظهر، وتمجد في بيوت أزياء وإبداعات مصممين يرون أن الأناقة لا تتحقق سوى على هياكل عظمية متحركة على ممشى عروض الأزياء وهم الذين ابتدعوا المقاس صفر.
|
|
|
هاد أكل هاد.. اطلبي باجيت! |
وهم الذين خلقوا أجيالا من عارضات الأزياء اللاتي يستبدلن الغذاء بتدخين السجائر وينافي قوامهن قواعد الطبيعة وسنن الكون التي لابد وأن تضيف إلى الفتاة شيئا من الوزن وتغير من هيكل جسدها سواء في مراحل النمو أو مع الزواج والحمل والرضاعة. ومع الانفتاح على ثقافة الغرب بدت أمراضنا الاجتماعية تتداخل وتتشابه مع أمراضهم، وبدأت حالات الأنوركسيا وهي فقدان الوزن المستمر حتى الهلاك تظهر في مجتمعاتنا وإن ظلت طي الكتمان وداخل إطار التابوهات التي لا يتحدث عنها أحد ولا يتم حصرها حتى الآن.
مرض غامض وعلاج معقد
حول هذا المرض الغامض تحدثنا د. رشا الخولي، مدرسة مساعد طب الأسرة بجامعة القاهرة: "الأنوركسيا نرفوزاهي واحدة من أعقد المشاكل النفسية المرتبطة بالتغذية والدليل أن النسبة العالمية المنصوص عليها والتي يفضي بها الحال إلى الوفاة تصل إلى 12% هي نسبة مرتفعة للغاية، فالمريض والذي في الغالب يكون أنثي يصل وزنه إلىأقل من 85% من الوزن الطبيعي لسنه وتتدهور لديه الحالة الجسمانية بشكل كبير فتنقطع الدورة الشهرية لدى الفتاة في 95% من الحالات ويسوء مظهره وصحته يوما بعد يوم ومع ذلك يظل اسير فكرة مشوهة عن صورته وشكله، وكثيرا ما يصف نفسه بأوصاف بالغة الدمامة وكأنه يرى نفسه في حالة سمنة وقبح مستمرين".
هذا المرض منتشر أكثر في المجتمعات الغربية، حيث تصل نسبته إلى 0.3% أغلبهم في الفترة العمرية ما بين خمسة عشر وتسعة عشر عاما، وبعد سن الواحدة والعشرين تقل نسبة الإصابة بشكل كبير. وتشير د. رشا الخولي إلى أنه بالرغم من عدم توافر بيانات وافية ودقيقة عن الحالات المماثلة في مجتمعاتنا والتي تنظر إلى المسألة بوصفها أحد التابوهات المسكوت عنها، فإن العدد بل شك في طريقه إلى الازدياد في ظل الانفتاح على الثقافات الغربية المتأثرة بشكل كبير بفكرة المظهر والقوام واعتبارهما من العناصر الفارقة في نجاح الأنثى وشعورها بالتقبل حولها.
وتزداد نسبة واحتمالات الاصابة بمثل هذا المرض الغامض في الفئات الاجتماعية العليا والثرية ومع وجود مشاكل في النشأة خصوصا بتفكيك الأسرة وفرض تلك الأخيرة قيودا مبالغا فيها على الفتاة فيصبح التحكم في الوزن بشكل قهري هو الملاذ الوحيد لشعور البنت بأنها قادرة على الإمساك بزمام أمور حياتها. والمشكلة الأساسية هي أنه نادرا ما تأتي المعاناة من مرض الانوركسيا وحده، ففي 25% من الحالات تكون مصحوبة بالوسواس القهري، وفي 75% من الحالات تقترن أيضا بالاكتئاب الحاد والذي يفضي إلى الإقدام على الانتحار في بعض الحالات.
|
|
|
كلشي زاد عن حدو نقص.. ديري بالك |
الوقاية خير من العلاج
السؤال الذي يفرض نفسه هو كيف تنقلب مجرد الرغبة في المحافظة على الرشاقة وفقدان بعد الوزن إلى مشكلة بهذه الضراوة بحيث تظل الفتاة ترى نفسها رغم النحافة المفرطة بالغة السمنة وتظل حريصة على التخلص من أي غذاء يدخل جسمها سواء بالقيء أو بالعقاقير المدرة والملينة. وتؤكد د. رشا الخولي أنه في حين يمكن حصر بعض الخصائص التي تجمع بين المرضى إلا أن السبب الحقيقي وكيمياء التحول هذه لا يزالان غامضين، ويظل العلاج صعبا للغاية خصوصا مع تكرار الانتكاسة مرة بعد أخرى ومع لجوء المريضة إلى حيل عديدة لإيهام المحيطين بها أن وزنها في طريقه إلى الازياد.
ومن ذلك ارتداء ملابس فضفاضة وملء جيوب الملابس بالرمال بما يثقل الوزن على الميزان إلى غيرها من الخدع، لذلك ينصح بأن يتم التنبيه إلى المشكلة في بدايتها حتى تتم السيطرة عليها قبل أن تصل الفتاة إلى مرحلة نكران وجود مشكلة ورفض الخضوع إلى العلاج أو حتى الاعتراف بأن وزنها في تضاؤل مستمر. وإذا أصاب الاهل الشك في بداية المشكلة، يجب على الفور اللجوء إلى متخصص لكي يضع يده على بداية الخروج من الازمة، وطبيب الاسرة في هذه الحالة يبدأ في إجراء حوار مع الفتاة ويستطيع ان يعرف ما إذا كان الأمر منبئا بحدوث مرض أم لا، فمريضة الأنوركيسا تسيطر عليها فكرة التحكم في الوزن وغالبا ما تقوم بتسجيل عدد السعرات الحرارية التي تتناولها وتميل إلى ممارسة التدريبات الرياضية بشكل مفرط.
ويجب على الطبيب ألا يشعر الفتاة بأنها منتقدة، وأن التضافر والتعاون مع ثلاث جهات هي طبيب التغذية وطيب الأسرة وأفراد العائلة المقربون منها، وإذا ما تبين وجود مشكلة حقيقية يتم وضع خطة عمل بحيث تلم بالجوانب الصحية والنفسية للفتاة، ويصبح المستهدف الأول هو حصولها على ألف وستمائة كيلو سعر حراري يوميا ليصل الرقم لاحقا إلى ثلاثة آلاف وخمسمائة بشكل يومي. الحالات الحادة يتم علاجها داخل المستشفى وتتطلب تحقيق نتيجة في صورة زيادة أسبوعية في الوزن تتراوح مابين نصف كيلو إلى كيلوجرام ونصف، بينما يقل معدل الزيادة المستهدف في الحالات الأقل حدة والتي يتم علاجها من المنزل إلى 0.3 إلي 0.5 كيلوجرام أسبوعيا.
ملاحظة: الصور للتوضيح فقط!