باستخدامك موقع شايف نت تكون موافق على سياسة الخصوصية الخاصة بالموقع
أندرويد وآيفون.. رحلة محتدمة من المنافسة والابتكار
24/03/2024

غيرت الهواتف الذكية العالم أكثر من أي اختراع آخر في تاريخ البشرية، بدءًا من التغيير الجذري لكيفية تفاعلنا مع بعضنا البعض، إلى إنشاء فئة جديدة تمامًا من الشركات التي تتعامل في مختلف تقنيات الهاتف المحمول. واللاعبتان الأساسيتان في ذلك التغيير كانتا أبل وغوغل. فخلال آخر 15 عامًا من المنافسة بينهما، دفعتا الهواتف الذكية إلى الأمام، وحطمتا منافسين آخرين، مثل شركة بلاك بيري التي كانت مهيمنة ذات يوم، بالإضافة إلى نوكيا ومنصتها سيمبيان التي لم تدم طويلًا. وحتى عملاق التكنولوجيا مايكروسوفت وهاتفه الذي يعمل بنظام (Windows Phone) فشل في الازدهار بمواجهة المنافسة الشديدة بين أبل وغوغل.

وبعد سنوات من التصادم، تتطابق العلاقة اليوم بين آيفون وغوغل مع التنافس العائلي الودي، إلا أن هذا لم يكن هو الحال دائمًا. ويمكن القول إن الشركتين استوحتا الإلهام من بعضهما البعض لسنوات، ولم تكن أي منهما لتصل إلى ما هي عليه اليوم بدون الأخرى.

بداية محتدمة

بدأت أندرويد كشركة خاصة في عام 2003، ولم تستحوذ عليها غوغل حتى عام 2005. وفي الوقت نفسه، حققت شركة أبل نجاحًا في المنتجات المحمولة مثل iPod، وبدأ تطوير آيفون سرًا في عام 2004. ويقال إنه تم الاتصال بستيف جوبز ليصبح الرئيس التنفيذي لشركة غوغل حينها إلا أنه رفض العرض، ووجدت غوغل مديرًا تنفيذيًا آخر هو إريك شميدت، الذي أصبح في عام 2006 جزءًا من مجلس إدارة شركة أبل.

وفي يناير 2007، كشفت شركة أبل عن أول هاتف آيفون، وفي نوفمبر 2007، عرضت غوغل نموذجين أوليين. الأول، هاتف (BlackBerry-esque) الذي يستخدم الأزرار وعجلات التمرير، بينما سيطرت على النموذج الثاني الأحدث شاشة كبيرة تعمل باللمس تشبه إلى حد كبير جهاز آيفون. ولم يكن ذلك جيدًا مع جوبز، الذي هدد بتدمير أندرويد باستخدام "كل قرش من 40 مليار دولار لدى أبل في البنك".

وفي السيرة الذاتية قال المؤسس المشارك لشركة أبل الراحل ستيف جوبز: "سأقوم بتدمير أندرويد؛ لأنه منتج مسروق". وغضب جوبز تجاه شركة غوغل وبرامج الهواتف الذكية الخاصة بها، وأظهرت الدعاوى القضائية العديدة التي تورطت فيها أبل ضد أندرويد أن جوبز كان جاداً بشأن مزاعمه. أما أول هاتف أندرويد (T-Mobile G1)، فجمع بين عناصر هذين النموذجين، مع شاشة تعمل باللمس تنزلق لتكشف عن لوحة مفاتيح فعلية.

دعاوى قضائية وحل حبي

ترك شميدت مجلس إدارة شركة أبل في عام 2009 بسبب تضارب محتمل في المصالح، وهكذا بدأت سلسلة من الدعاوى القضائية التي تشمل شركة أبل والعديد من شركاء غوغل بشأن الانتهاك المزعوم لبراءات الاختراع المتعلقة بالهاتف. وكان أبرز شركاء غوغل هي سامسونج، التي اتهمتها شركة أبل بانتهاك عدد من براءات الاختراع، بما في ذلك تلك المتعلقة بالوظائف الأساسية مثل النقر للتكبير والانزلاق لفتح القفل. واستمرت هذه المعارك القانونية لسنوات، إلى أن انتهى النزاع الطويل أخيرًا في عام 2018، عندما اتفق الطرفان على التسوية خارج المحكمة.

استعارة الأفكار

وعلى الرغم من الادعاءات المتنافسة التي تم تقديمها خلال تلك الصراعات الطويلة في قاعات المحكمة، يبدو من الواضح أن كلا الجانبين استمر في استعارة الأفكار من منافسه بشكل أو بآخر. وتم العثور على ميزات مثل صورة داخل صورة والبريد الصوتي المباشر وتخصيص شاشة القفل والترجمة المباشرة على نظام التشغيل أندرويد قبل أن تشق طريقها في النهاية إلى (IOS).

من ناحية أخرى، فإن ميزة المشاركة القريبة من أندرويد تشبه إلى حد كبير ميزة (AirDrop) من أبل. هذا ولم تحصل هواتف أندرويد على ميزات مثل عدم الإزعاج أو القدرة على التقاط لقطات الشاشة إلا بعد مرور بعض الوقت على حصول آيفون آبل عليها.

في السياق عينه، قامت شركة أبل بإزالة مقبس سماعة الرأس مقاس 3.5 ملم من جهاز آيفون في سبتمبر 2016، بينما سخرت غوغل منها عند إطلاق هاتف بكسل في الشهر التالي، حينما أعلن المدير التنفيذي على المسرح، "نعم، يحتوي على مقبس سماعة رأس". ومع ذلك، تخلصت غوغل من مقبس سماعة الرأس مع هاتف Pixel 2. حتى في بعض الأحيان يكون من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، تحديد ما إذا كانت هذه الشركات تنسخ أفكار بعضها البعض أو تتوصل ببساطة إلى نفس الاستنتاجات بعد الانتباه إلى اتجاهات المستهلكين والشائعات في الصحافة والتطور العام للتقنيات الداعمة.

نهجان مختلفان

ويتعين على أندرويد بطبيعته أن يتبع نهجًا واحدًا يناسب الجميع، حيث يجب أن يعمل كل إصدار جديد بشكل جيد على مجموعة كبيرة ومتنوعة من الأجهزة، مع أحجام شاشات ومكونات داخلية مختلفة. فقد عانى نظام أندرويد مع وصول الأجهزة اللوحية، حيث اضطرت البرامج المصممة للهواتف مقاس 4 بوصات فجأة إلى التمدد لتناسب الشاشات الأكبر حجمًا. فتم تصميم (Android 3.0 Honeycomb) في المقام الأول للأجهزة اللوحية، ولكن هناك العديد من المشكلات التي أدت إلى عدم بقائه لفترة طويلة، وتم استيعاب بعض ميزاته ببساطة في الإصدارات المستقبلية.

أما أبل فتتبع نهجًا مختلفًا. إذ على الرغم من أنها استخدمت نظام التشغيل (IOS) في البداية لكلا الجهازين، إلا أنها الآن تحتفظ بنظام التشغيل (IOS) لهواتفها فقط، مع تحسين أحجام الشاشات الأصغر، مع استخدام نظام (IPadOS) الأحدث كبرنامج لأجهزة الكمبيوتر اللوحية الخاصة بها.

تقارب نظامي التشغيل

ومن الواضح رؤية الطرق التي تقارب بها نظاما التشغيل على مر السنين. وعلى الرغم من أن أندرويد كان دائمًا الأكثر قابلية للتخصيص بين الاثنين، فقد قدمت أبل في النهاية عناصر واجهة مستخدم للشاشة الرئيسة وشاشات قفل قابلة للتخصيص وحتى القدرة على إنشاء سمات أيقونات لتحويل مظهر الهاتف.

وفي الوقت نفسه، بذلت غوغل قصارى جهدها للحد من المشاكل الناجمة عن التجزئة، ويمكن القول إنها اتبعت نهجًا أقرب إلى نهج أبل في خط أجهزتها الخاص. ومثل أجهزة آيفون، تم تصميم الهواتف في مجموعة بيكسل الأحدث لإظهار أفضل ما في غوغل مع المعالجات المنتجة محليًاً كما تفعل أبل.

هيمنة أندرويد

في أوائل عام 2024، أصبح نظام أندرويد هو منصة الهواتف الذكية المهيمنة إلى حد بعيد، حيث تبلغ حصته السوقية 70.8٪ عالميًا مقابل 28.4٪ لشركة أبل التي تقدم نظام التشغيل (IOS) فقط على أجهزتها الخاصة المتميزة بسعر مرتفع. لذا فمن العدل أن نتوقع أن نظام التشغيل (IOS) لن يكون منتشرًا على نطاق واسع.

وتعمل غوغل اليوم في المقام الأول كمزود خدمة، وليس شركة مصنعة للأجهزة، وتجني أموالها بشكل رئيس من بيع الإعلانات عبر جميع منصاتها، وبالتالي فهي تستفيد عادةً من نهج السوق الشامل. أما نظام أندرويد الذي تقدمه غوغل، فهو مجاني ويمكن للشركات استخدامه، ومن هنا يأتي العدد الكبير من عمليات التثبيت. ولكن لاستخدام خدمات (Gmail)، ويوتيوب، وكروم إلى جانب الوصول إلى متجر غوغل بلاي، يجب على الشركات دفع رسوم الترخيص لشركة غوغل.

لكن أبل متجر مغلق. ويمكن لأجهزة آيفون فقط استخدام نظام التشغيل (IOS)، ولدى أبل كل النية للحفاظ على الأمر على هذا النحو. فهي تتمتع بالتحكم الكامل في كيفية عمل هذا البرنامج على هواتفها وتفرض رسومًا على المطورين وفقًا لذلك مقابل التطبيقات المباعة في متجر التطبيقات الخاص بها. ولهذا السبب عادةً ما يكون أداء هواتف أبل أفضل من العديد من هواتف أندرويد المتطورة، على الرغم من أن مواصفاتها أقل على الورق.

نظرة إلى المستقبل

نحن على مفترق طرق مثير للاهتمام بالنسبة لنظام أندرويد، على الرغم من أن نجاحها من حيث الحجم لا جدال فيه، إلا أنها تخسر بشكل متزايد حصتها لصالح شركة أبل في مجال الهواتف الذكية المتميزة. وتعد هواتف بيكسل من غوغل من أفضل هواتف أندرويد الموجودة على الإطلاق، لكن مبيعات الأجهزة تمثل جزءًا صغيرًا مما تحققه أبل مع آيفون.

ولكن أندرويد يراهن بشكل متزايد على النجاح من خلال ابتكاره للهواتف القابلة للطي. وأصبحت لدى سامسونغ الآن أجيال عدة في أجهزتها (Galaxy Z Flip) و(Z Fold)، مع انضمام (Pixel Fold) من غوغل إليها أخيراً، إلى جانب الأجهزة القابلة للطي الأخرى. ولم تطلق شركة أبل بعد أي جهاز قابل للطي، ويبقى أن نرى ما إذا كان ذلك ببساطة كون تعاملها مع هذا النوع من الأجهزة ليس جاهزًا بعد، أو لأنها تعتقد أن الأجهزة القابلة للطي هي موضة سوف تمر مثل شاشات العرض ثلاثية الأبعاد أو التصميمات المنحنية.

وبدلاً من التطلع إلى المزيد من الابتكارات التجريبية مثل الشاشات القابلة للطي، واصلت شركة أبل تحسين أجهزتها الحالية بتصميمات من التيتانيوم وكاميرات محسنة. ويتضمن نهج أبل أيضًا جذب الأشخاص إلى نظامها  البيئي الأوسع ومنتجاتها الأخرى. ومع ذلك، فإن انتشار أندرويد عبر الأجهزة ذات الأسعار المنخفضة سيستمر في جعله خيارًا شائعًا للأشخاص ذوي الميزانيات المحدودة. ووجوده على عدد كبير من الأجهزة من الشركات المصنعة التابعة لجهات خارجية يعني أنه المكان الذي سنرى فيه المزيد من الابتكار، خاصة مع تقدم أندرويد على أبل في مجال ميزات الذكاء الإصطناعي على الهواتف، بحيث لم تقم أبل لحد الآن بأي ميزات ذكاء اصطناعي يستحق التنويه على أجهزتها، حتى أنه يقال إنها ستستعين بغوغل للقيام بذلك.